حوريات جنان الجزائر
السلام عليك اختي
اشرقت الدار من زارنا .وفرحا بوجودك معنا يا هلا ويا غلا .والفين مرحبا .عسى ان يجمعنا الله على طاعته
تفضلي وسجلي علك تستفيدي وتفيدي
حوريات جنان الجزائر
السلام عليك اختي
اشرقت الدار من زارنا .وفرحا بوجودك معنا يا هلا ويا غلا .والفين مرحبا .عسى ان يجمعنا الله على طاعته
تفضلي وسجلي علك تستفيدي وتفيدي
حوريات جنان الجزائر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى نسائي اسلامي تقافي ترفيهي يخص المراة المسلمة العربية عامة والجزائرية خاصة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 النجاة من كرب القيامة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hadil146
الادارة
الادارة
hadil146


تاريخ التسجيل : 20/11/2011

النجاة من كرب القيامة Empty
12022012
مُساهمةالنجاة من كرب القيامة

الحمد لله والكفى والصلاة والسلام على المصطفى أما بعد:

لقد وقفت على كتاب ماتع بعنوان(المنهج القويم في التأسي بالرسول الكريم) للشيخ العلامة زيد بن هادي المدخلي حفظه الله.
والكتاب طويل يحتوي على عدة أبواب فأردت أن أنقل أهم باب(بالنسبة لي) وجدته في ذاك الكتاب و هو بعنوان (أسباب النجاة من كرب يوم القيامة وشدة أهواله) فلا تنسونا من صالح دعائكم .



المحتويات التي سيتم نشرها إن شاء الله في هذا المنتدى المبارك :


الباب الثالث: في بيان أسباب النجاة من كرب يوم القيامة وشدة أهواله.

ويشتمل على اثني عشر سببًا، كل سبب له فصل مستقل:


فصل:السبب الأول: إقامة أركان الإسلام والإيْمان والإحسان على وجه التمام، ثم الانطلاق الجاد في أداء كل عمل صالح مبرور يُقرِّب إلى الله.
فصل:السبب الثاني:الإخلاص لله في العمل.
فصل:السبب الثالث: الصدق في المعاملة مع الله ومع عباد الله.
فصل:السبب الرابع: الصبر بجميع أنواعه.
فصل:السبب الخامس: التقوى زادًا ولباسًا.
فصل:السبب السادس:العدل في جميع الحقوق.
فصل:السبب السابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب درجاته.
فصل:السبب الثامن: الإحسان في كل شيء كما كتبه الله عز و جل .
فصل:السبب التاسع: صلة الأرحام بكل ما تحمل من معنى.
فصل:السبب العاشر: أداء الأمانة بقسميها.
فصل:السبب الحادي عشر:خشية الله في السر والعلن.
فصل:السبب الثاني عشر: اتباع سنن الهدى والسعي في إحيائها وذكر بعض منها بالتفصيل.

يتبع إن شاء الله...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://iitimad.alianceforum.com
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

النجاة من كرب القيامة :: تعاليق

hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:09 pm من طرف hadil146

الفصل الأول :

السبب الأول: إقامة أركان الإسلام والإيمان والإحسان على وجه التمام

ثم الانطلاق الجاد في أداء كل عمل صالح مبرور يقرب إلى الله, ثم الإيْمان بكل ما يجب الإيْمان به من أصول هذا الدين وفروعه، وفي مقدمة هذه الأصول الإيْمان بالله المتضمن للإيْمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، والإيْمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله عز وجل ، ثم الانطلاق الجاد والسعي المتواصل في أداء كل عمل صالح مبرور وكل كلم طيب يصعد إلى الله ويكون سببًا موصلاً لنيل محبته ورضاه، وليس بخاف على ذوي العلم والعقل الصحيح والبصيرة النافذة أن جميع الأعمال الظاهرة والباطنة هن الباقيات الصالحات عند الله وقد أشار إلى هذا المعنى في قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ [الكهف:46].

وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ:37].
فقد اعتبر المولى سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين الإيْمان الصادق والعمل الصالح سببين رئيسيين في الحصول على كل محبوب والنجاة من كل مكروه ومرهوب وبين أن ما يعطاه الإنسان من مال وبنين في هذه الحياة إنما هو متاع زائل وأن ثواب الباقيات الصالحات هو الباقي، وهو النافع للعبد يوم تحشر الخلائق إلى ربِّها، وتنصب الموازين لوزن الأعمال وعامليها، وتنشر الدواوين التي قد سجل فيها كل ما عمله الإنسان من خير وشر :
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ -7, وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة:7-8].
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:09 pm من طرف hadil146
السبب الثاني الإخلاص لله في العمل

والإخلاص: هو أن يقصد العبد في كل أعماله وجه الله والدار الآخرة والإخلاص هو أجل صفة يوصف بِها العبد، لذا فقد أمر الله -تبارك وتعالى- نبيه ج بإخلاص العبادة له وحده فقال عز و جل: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر:11].

كما أمر الأمة كلها أن تكون مخلصة في أعمالها لله رب العالمين فقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [البينة:5].
وبجانب الأمر بالإخلاص، فقد حذر الله الناس الرياء لأنه مناف للإخلاص حيث جاء في الحديث القدسي الذي يرويه ج عن ربه -تبارك وتعالى- أنه قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه). ومما هو جدير بالذكر له والتنبيه عليه أن للإخلاص أهميته في الشرائع السماوية كلها إذ هو سمة كل رسول وصفة كل نبي، حيث قال تعالى في وصف كليمه ونجيه موسى عليه السلام : ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا﴾ [مريم:51]. وقال لمحمد -عليه الصلاة والسلام-: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ -2, أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِص﴾ [الزمر: من الآية2، 3].
ثم إن الأعمال التي كلف بِها العباد أمرًا ونَهيًا، تحليلاً وتحريمًا، أدبًا وسلوكًا، لا تقبل منهم إلا بشرطين.
أولهما الصواب: بحيث يكون العمل موافقًا لشرع الله المنَزل على أنبيائه ورسله.
وثانيهما الإخلاص: وهو أن يكون العمل الذي يقوم به العبد خالصًا لله لا رياء فيه ولا سمعة.
وحيث قد عرفنا أهمية الإخلاص، وأثره الطيب على أعمال العباد، فإنه ينبغي أن نعرف شيئًا من ثمراته النافعة، وفوائده العظيمة.

فأقول -وبالله تعالى التوفيق-:
من تلكم الثمرات والفوائد ما يلي :
العناية الربانية بالمخلصين لله في أعمالهم في كل زمان ومكان ذلك لأن الله يستجيب دعاءهم، ويقضي حاجاتِهم، ويفرج كرباتِهم ويكون معهم بنصره وحفظه وتأييده ورعايته، فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي

عبد الرحمن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم.
قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجرة يومًا فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتُهما نائمين فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه.
وقال الآخر: اللهم إنه كان لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي، كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتُها على نفسها، فامتنعت مني حتى ألمت بِها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها، -وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها- قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنَّهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري. فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والدقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه، فلم يترك منه شيئًا؛ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يَمشون) متفق عليه.
قلت: ما أجل هذا الحديث وما أجمل القصة التي تضمنها، وما أعظم الأهداف التي جاء لتحقيقها كيف لا ؟! وهو كلام الصادق المصدوق الذي زكاه ربه بقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى -3, إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].

نعم، لقد تضمن هذا الحديث أمورًا جليلة واشتمل على مسائل مهمة أذكر منها ما يلي:
1. الدعوة إلى الإخلاص في العمل، إذ إن الإخلاص في العمل يعتبر أقوى سبب من أسباب النجاة من مخاوف الدنيا والبرزخ والآخرة.

2. الحث على البر بالوالدين والإحسان إليهما قولاً وفعلاً، إذ هو واجب عظيم من واجبات هذا الدين، وحق أصيل من حقوق أقرب الناس إليك وهما والداك، ولا غرابة أن يكون هذا الأمر كذلك، فلقد قرن الله عز وجل طاعة الوالدين بطاعته في كتابه العزيز حيث قال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: من الآية36]. كما قرن شكرهما بشكره في قوله تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ﴾ [لقمان: من الآية14].
وبجانب الأمر ببر الوالدين جاء النهي عن عقوقهما وإيذائهما حيث قال سبحانه: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيْمًا -23, وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء:24].
3. الإرشاد إلى التحلي بفضيلة العفاف، والابتعاد عن المحرمات لاسيما بعد القدرة على فعلها، وأن يقصد بذلك وجه الله والدار الآخرة والرغبة فيما عند الله من الثواب لمن ترك شيئًا لله.
4. حصول الكرامات للأولياء والصالحين الذين اتصفوا بصفة الإيْمان الصادق والتقوى الحقيقية المعنيين بقول ربِّهم سبحانه: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ -62, الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ -63, لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ [يونس:62-64].
ولذا ما حصل من الأمور الخارقة للعادة على أيدي هذا الصنف من الناس فهو كرامة من الله عز وجل ، كما حصل لهؤلاء النفر، وكما حصل لأصحاب الكهف الذين جاءت قصتهم مفصلة في سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ [الكهف:9] ... إلى نِهاية قوله: ﴿فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: من الآية22].
وكما حصل لأسيد بن حضير. وعباد بن بشر رضي الله عنه حينما خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فافترق النور معهم.
فهذا النور الذي أضاء لهما من خوارق العادات، ثم تفرقه بتفرقهما كذلك وهو إكرام من الله لهما، ولَم يكن ذلك بأيديهما ولا بحولهما ولا بقوتِهما، ولا بطلب منهما، وكان بعض السلف إذا حصلت له كرامة يستغفر الله عز وجل وغير ذلك كثير.
أما ما وقع ويقع من الأمور الخارقة للعادة على أيدي الفساق والسحرة والكهان وإخوان الشياطين، فهو من قبيل الابتلاء والامتحان لهم، ولمن ابتلي بالغرور بِهم من سذج الخلق الذين لَم يفرقوا بين أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، ولَم يميزوا بين الكرامات الشرعية والأحوال الشيطانية, والله المستعان.

يتبع إن شاء الله بالسبب الذي يليه...

hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:10 pm من طرف hadil146

السبب الثالث :

الصدق في المعاملة مع الله ومع عباد الله



الصدق: خلق إسلامي عظيم، وسبب من أسباب النجاة من عذاب الله متين.

وهو نوعان:


صدق العبد في معاملته ومتاجرته مع ربه:
وذلك بفعل طاعته وترك معصيته، ومتابعة رسله، والوفاء بالعهد الذي عاهد عليه ربه في عالم الذر المشار إليه بقوله سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: من الآية172].

وصدق العبد مع الخلق، وذلك بصدق الحديث معهم وحسن المعاملة لهم في أي أمر من أمور الدنيا والدين امتثلالاً لأمر الله سبحانه حيث قال: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119].
وامتثالاً لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابً).

قلت: فلا استبعاد أن يكون الصدق من أسباب النجاة من كل سوء ومكروه في الدنيا وفي الآخرة، فلقد أرانا الله نتيجته الحسنة، وعاقبته الحميدة واضحة جلية في محكم القرآن في قصة الثلاثة الذين خلفوا حيث قال سبحانه: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة:118].
وهؤلاء الثلاثة هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، وكان من خبرهم أنَّهم تخلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة أقبل أهل النفاق يعتذرون إليه كذبًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل اعتذارهم ويكل سرائرهم إلى الله، فأنزل الله فيهم آيات بينات أوضح فيها كذبَهم وأظهر نفاقهم وأعلن جزاءهم الدنيوي والأخروي، حيث قال سبحانه: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ -95, يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 95-96].
نعم ونحن نقول كما قال قرآننا: ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة:95]. وإن كانوا يعلنون الشهادتين في كل وقت وحين ويصلون ويحجون ويجاهدون .. بيد أنَّهم لا يريدون بِهذه الأعمال وجه الله والدار الآخرة، وإنما يريدون من ورائها حقنًا لدمائهم، وسترًا ووقاية لأموالهم وذويهم، وفرارًا من بريق سيوف المخلصين في وجوههم وتسديد الرماح صوب صدورهم ونحوهم: ﴿اتَّخَذُوا أيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: 2] وقوله: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون:4].

وسيعلم هذا الصنف من الناس في كل زمان ومكان يوم تبلى سرائرهم وتنطفئ أنوارهم أي منقلب ينقلبون.
فاللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأعمال والأخلاق, وأما أولئك الثلاثة الذين تخلفوا عن الاعتذار الذي اعتذر به المنافقون فقد أخبروا عن تخلفهم بالواقع الصحيح والسبب الصريح، حملهم على ذلك إيْمانُهم الحق وخوفهم من ربِّهم ورجاؤهم في توبته عليهم، إنه هو التواب الرحيم.
فهجرهم الناس قريبهم وبعيدهم فعلاهم من الهم والغم والكرب الشديد شيء عظيم، كما أخبرنا الله عنهم وصور حالهم بقوله الحق: ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ﴾ [التوبة: من الآية118].
جاء فرج الله بقبول توبتهم ومغفرة ذنبهم والرضا عنهم وتخليد ذكراهم، وما ذلك إلا بفضل الله عليهم ثم بسبب صدقهم مع الله ومع رسوله ج، وبالتالي فلا غرابة أن يكون الصدق بأنواعه وشتى صوره من أقوى أسباب المخرج من شدائد القيامة وعظيم أهوالها، والله المستعان.

يتبع بالسبب الذي يليه إن شاء الله....
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:10 pm من طرف hadil146

السبب الرابع :الصبر بجميع أنواعه

والصبر معناه:
حبس النفس وكفها عن شهواتِها، وإلزامها بالإتيان بأسباب السلامة والنجاة، لتأخذ زادها في خضم هذه الحياة، ولأهميته وشدة الحاجة إليه فقد أمر الله نبيه محمدًا ج بالاعتصام به وجعله له خلقًا وطريقًا لتبليغ رسالة الله ليعمل بِها في أرض الله تعالى، فقال عز و جل: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: من الآية35].
حقًّا إنه توجيه رباني حكيم لنبي صادق كريم، اصطفاه الله لرسالته وخصه برعايته فاحتمل كل أذى في سبيل الله، وعانى من أعداء هذا الدين الشيء الذي لا يتحمله ويصبر عليه إلا من شملته رعاية الله وحظى بنصر وتوفيق وهداية من ربه خالقه ومولاه.
نعم لقد لقي رسول الله ج من عشيرته الأقربين أشد الأذى وأقسى المحن، وأسوأ المواقف، لا لشيء إلا لأنه قال لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا لا إله إلا الله كلمة تدين لكم بِها العرب وتملكون بِها العجم، فقالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص:5].
نعم صنعوا ما صنعوا، وقالوا ما قالوا، لا لشيء إلا لأنه قال لهم وهو الناصح لهم: (إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد).
فقالوا له: تبًّا لك، ألهذا دعوتنا؟ هذا قليل من كثير مما حصل من الأقربين من قومه، فما ظنك بالأباعد الذين لَم يعرفوا شيئًا عن خلق رسول الله ج وأمانته في جاهلية ولا إسلام .
لقد أغروا به سفهاءهم فرموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الطاهرتين وأعجزوه عن المشي، وهو الوحيد الفريد الطريد المجرد من كل سند أو معين من أهل الأرض، ومع ذلك كله فقد كان محلقًا في قمة الصبر، وفي نفس الوقت كان منطرحًا بين يدي ربه يردد الدعاء المأثور في تذلل وخشوع -لمن يستحق التذلل والخشوع- قائلاً: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لَم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل علي غضبك أو ينْزل بِي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
ولئن كان الله سبحانه أمر النبي ج بالصبر خصوصًا فقد أمر به المؤمنين عمومًا، فقال: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200].
لقد ناداهم في هذه الآية الكريمة بلقب الإيْمان تشريفًا وتكريْمًا وحثًّا على امتثال تلك الأوامر الأربعة التي ابتدأها بالصبر، فقال: ﴿اصْبِرُوا﴾ وما ذلك إلا لأن الصبر زاد عظيم في درب الخير كله وطريق الدعوة إلى الله، ذلك الطريق الطويل الشاق الحافل بالعقبات المتعددة والابتلاءات المتنوعة والإيذاءات المؤلمة.
﴿اصْبِرُوا﴾ على شهوات النفس ورغائبها وأطماعها ومطامحها، وضعفها ونقصها، وذلك بوضع العلاج الذي يكون مناسبًا لكل نوع من أنواع أمراضها في حالة ضعفها ونقصها، وفي حالة عتوها وطغيانِها وفي حالة غرورها والتوائها وانحرافاتِها، ثم اصبروا على صولة الباطل أيا كان نوعه ومصدره فإن للباطل طغيانًا وصولة، ولكنه لا يدوم، وليس له ولا لأهله عاقبة حميدة، إنما العاقبة الحميدة والنصر المؤزر لكل مؤمن مجاهد صابر.
﴿اصْبِرُوا﴾ بكل ما تحمل كلمة الصبر من معنى.
﴿اصْبِرُوا﴾ على طاعة الله فافعلوها وارجو ثوابَها.
و ﴿اصْبِرُوا﴾ عن معصية الله فلا تقربوها بل خافوا عقابَها.
و ﴿اصْبِرُوا﴾ على أقدار الله فلا تسخطوها بل قابلوها بالرضا والتسليم فإن أمر الله قدر مقدور.
﴿اصْبِرُوا﴾ وابشروا فإن الله مع الصابرين، ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: من الآية10].
وإن الإنسان في هذه الحياة لمبتلى، وكثيرًا ما توجه إليه سهام البلاء فهو بحاجة إلى شحنة كبيرة من مادة الصبر لاسيما في هذا الزمان الذي عمت فيه الفتن وكثرت فيه الشرور، وانتشرت فيه الملهيات والمغريات فأصبح الصابر غريبًا، ولا عجب أن يكون غريبًا، فقد روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي أمية الشعباني. قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بِهذه الآية؟ فقال: أيَّةُ آية؟ قلت: قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: من الآية105].
قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا، سألت عنها رسول الله ج فقال: (بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوى متبعًا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة فإن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم).
وفي رواية: (قيل: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم). قال الترمذي: حديث حسن غريب.
فما أعظم شأن الصبر وما أجمل ثمراته إذ هو أجمل صفة من صفات الكمال، حيث به تنال المطالب العالية، وتحل المشاكل المستعصية فما نجح الرسل الكرام، والأنبياء العظام في دعوة أممهم إلا بالصبر، وما نال الشهداء مرتبة الشهادة وشرفها وفضلها إلا بالصبر على منازلة الأقران في معارك القتال، وما ظفر العلماء بجمع العلوم وفهمها إلا بالصبر على سهر الليالي وشظف العيش، وما حصل ذوو الهمم العالية والمقاصد الشريفة على غاياتِهم النبيلة ومطالبهم المرضية إلا بالصبر على كل ما يواجهونه في سبيل ذلك مستشعرين معية الله الخاصة لعباده المؤمنين قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: من الآية153].
وكم من حديث صحيح أوضح لنا فيه نبينا محمد ج حقيقة الصبر في أعلى صورها، وأخطر أشكالها، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه .. والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كأني أنظر إلى رسول الله ج يحكي نبيًّا من الأنبياء -عليهم السلام- ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون).
وعن يحيى بن وثاب، عن شيخ من أصحاب النبي ج، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم). وغير ذلك من النصوص كثير.

يتبع إن شاء الله بالسبب الذي يليه...
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:11 pm من طرف hadil146

السبب الخامس :التقــوى زادًا ولبـاســــًا


وحقيقة التقوى في لسان الشرع الشريف هي:
أ- هي امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
ب- وإن شئت فقل: هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
جـ- وإن شئت فقل: هي مراقبة الله والشعور به عند الصغيرة والكبيرة والتحرج من إتيان ما يكره توقيرًا لذاته، وإجلالاً له سبحانه. وإن شئت فقل هي: مراقبة الله عند الصغيرة والكبيرة والخوف من إتيان ما يكره توقيرًا لذاته وإجلالاً له سبحانه.
د- وإن شئت فقل: هي الأعمال الصالحة أقوالها وأفعالها، باطنها وظاهرها، وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب رضي الله عنه عن التقوى فقال له: (أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى. قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى).
ولعظم شأنِها وأهميتها في كل شريعة من شرائع الله المختومة بِهذه الشريعة المحمدية فقد وصى الله بِها جميع الأمم من أهل الكتاب وغيرهم وإيانا في هذا الكتاب العظيم، حيث قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: من الآية131].
واعتبرها سبحانه زادًا لنا فقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: من الآية197]. كما اعتبرها -تبارك وتعالى- لباسًا لنا فقال: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: من الآية26].
ولقد أحسن الذي قال:

إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر تزود من التقوى فإنك لا تدري
والذي قال:

تقلب عريانًا وإن كـان كاسيـا إذا المرء لَم يلبس ثيابًا من التقى
والذي قال:

ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
وأنك لَم ترصـد كما كان رصـدا إذا أنت لَم ترحل بزاد من التقى
ندمـت على أن لا تكـون كمثله
ورتب الله على حصولها واتصاف العباد بِها كل صلاح وفلاح وطهر كما قال عز و جل: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّر عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغْفِرْ لَكُم وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال:29].
فجعل سبحانه التقوى شرطًا أساسيًّا في حصول الأمور التي يفرق بِها العبد بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وذلك بأن يقذف في قلبه النور الذي تحصل به الهداية إلى طريق الحق والثبات عليه، كما رتب في هذه الآية الكريمة على التقوى خصلتين عظيمتين، وهما تكفير السيئات وسترها حتى لا تبقى ظاهرة، ولا باطنة، ومغفرة الذنوب جميعًا صغائرها وكبائرها، أقوالها وأفعالها، سرها وعلانيتها.
وما ذلك إلا أنه سبحانه هو صاحب الفضل العظيم والإحسان المتواصل والإكرام الدائم لمن يستحق الفضل والإحسان والإكرام، ولقد جعل الله سبحانه لأهل التقوى سمات عديدة ذكرها الله في آيات محكمات من كتابه الكريم:
من هذه الآيات قوله سبحانه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ -2, الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون -3, وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ -4, أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة:2-5]. فقد اشتملت هذه الآيات الكريمات على عدة صفات من صفات أهل التقوى منها:
الصفة الأولى: الإيمان بالغيب والمراد به ما غاب عن العباد حسًّا، غير أن الله أخبر به في كتبه الْمُنَزلة على رسله الذين لا ينطقون عن الهوى، فأما أهل الإيمان الحق فإنَّهم يصدقون بلا شك ولا ارتياب بما أخبرت به الكتب السماوية وجاء به الرسل الكرام من الأخبار عن وجود الله العلي الأعلى، خالق الكون ومالك يوم الدين، الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء الذي بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ويصدقون كذلك بما ورد في الوحيين من الأخبار عن المغيبات مثل الحياة البرزخية والبعث والنشور والجزاء على الأعمال، والجنة والنار وغير ذلك مما سيكون مما أخبر الله ورسله عنه من أمور الغيب.
أما أهل الكفر والإلحاد وفي مقدمتهم الشيوعية والماركسية الملحدة فإنَّهم لا يؤمنون بالغيب؛ إذ لا رب عندهم ولا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ولا جزاء على الأعمال، بل مفتاح عقيدتِهم لا إله، والحياة مادة فقط، وأن صراع بني الإنسان عندهم في هذه الحياة إنما هو من أجل العيش والبقاء
فقط للتمتع بالملذات والشهوات التي يسرتْها قوانين الإلحاد، وهيأتْها لهم حضاراته المزعومة.
الصفة الثانية من صفات أهل التقوى: إقامة الصلاة: ومعنى إقامتها، الإتيان بِها على الوجه المشروع الذي أوضحه الله على لسان رسوله المبلغ عنه، من محافظة على الطهارة أولاً، ثم إتقان هيئاتِها قيامًا وقعودًا وقراءة وركوعًا وسجودًا وجهادًا للنفس كي تشعر بشعور الواقف الخاشع بين يدي الله الذي ترجى رحمته ويخشى عذابه.
الصفة الثالثة: ومن تلك الصفات صفة القيام بالنفقات الواجبات والمستحبات تقربًا إلى الله وأداء لحقوق عباده وتطهيرًا للنفس من رذيلة الشح والبخل وتنمية المال الذي يزيد ويتكاثر بالإنفاق منه، ويتلف وتمحق بركته بالإمساك، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ج أنه قال:
(ينْزل كل يوم ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط مُمسكًا تلفً).
الصفة الرابعة: الإيْمان الحق بِما أنزله الله على رسله الكرام وأنبيائه العظام، وأنه كله حق وصدق وهدى ونور، قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -136, فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:136، 137].
الإيمان باليوم الآخر أي بمحبته، وما سيكون فيه مما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم كما سبق الكلام عليه مفصلاً في هذا البحث المبارك ولأهل التقوى صفات غير هذه ذكرت في آيات قرآنية أخرى أذكر منها قوله عز و جل: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ -133, الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ -134, وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ولَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ -135, أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران:133-136]، فقد اشتملت هذه الآيات الكريمات على السمات التالية:
الأولى: الإنفاق في حالة الشدة والرخاء والمنشط والمكره والصحة والمرض بل وفي جميع الأحوال بحيث لا يشغلهم شاغل عن طاعة الله والسعي في مراضيه والإحسان إلى خلقه بما يقدرون عليه من أنواع البر والخير، وقد تقدم الكلام على هذه الصفة قريبًا.
الثانية والثالثة: كظم الغيظ والعفو عن الناس، ومعنى كظم الغيظ كتمه له متى ثار وهم في حال كظمهم للغيظ لا ينتقلون إلى حقد دفين ولا إلى ضغينة غائرة في القلوب والصدور، ولكن ينتقلون إلى صفح النفس النقي وعفو القلب الطاهر البريء فيصبحون في عداد المحسنين، وركب المتقين، ومتى كانت جماعة تحب الله ويحبها الله، وقد شاعت فيها السماحة والسهولة واليسر وتخلصت بفضل الله من داء الإحن وشر الأضغان، فهي جماعة متآخية مترابطة، مترحمة متعاطفة، مثلها كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وكم من نص صريح وحديث صحيح جاء في الترغيب في كظم الغيظ والعفو عن الناس، قال الإمام أحمد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء).
ومن حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿الْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ
﴾ [آل عمران: من الآية134] أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظًا وهو يقدر إنفاذه ملأ الله جوفه أمنًا وإيْمَانً).
وجاء في حديث آخر أيضًا: (ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، ومن تواضع لله رفعه الله).
وروى الحاكم في مستدركه عن أبي بن كعب أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يشرف له البنيان، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ويعط من حرمه ويصل من قطعه) فيه ضعف بسبب أبي أمية بن يعلى.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول: أين العافون عن الناس هلموا إلى ربكم وخذوا حوركم، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة)، وغير هذه النصوص في هذا الموضوع كثير .
الصفة الرابعة والخامسة والسادسة من صفات أهل التقوى: ذكر الله والاستغفار والتوبة النصوح وعدم الإصرار على الذنوب وهذه الصفات دل عليها قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ولَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران:135].
والمعنى: أن أهل التقوى إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار وإذا أمعنت النظر في هذه الآية الكريمة، وجدت في طياتِها الرحمة بِهذا الإنسان البشري الضعيف الذي يعثر في حماة المعصية في كل وقت وحين ذلك لأنه كلما أغواه عدوه ألهمه الله ذكره فذكر وتذكر، وندم واستغفر فغفر الله له ذنبه، ورد كيد عدوه في نحره، قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم﴾ [آل عمران: من الآية135] أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ج قال: (إن رجلاً أذنب ذنبًا فقال: رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي. فقال الله عز وجل : عبدي عمل ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره لِي. فقال -تبارك وتعالى- علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره لي. فقال الله عز وجل : علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره. فقال الله عز وجل : عبدي علم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء) أخرجاه في الصحيحين من حديث إسحاق بن أبي طلحة بنحوه -حديث آخر -.
وروى الإمام أحمد عن أبي المدله مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة: (قلنا: يا رسول الله، إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد. فقال: لو أنتم تكونون على كل حال على الحال التي كنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لَم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم. قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب ولبنة فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابُها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس؛ ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، ثلاثة لا ترد دعوتُهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) رواه الترمذي وابن ماجه من وجه آخر من حديث سعد به.
وقوله: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [آل عمران: من الآية135] أي لا يغفرها أحد سواه.
وقوله: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: من الآية135] أي تابوا من ذنوبِهم ورجعوا إلى الله عن قريب، ولَم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها، ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه كما روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن مولى لأبي بكر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ورواه أبو داود والترمذي من حديث عثمان بن واقد وهو حديث حسن والله أعلم.
وقوله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، قال مجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أن من تاب تاب الله عليه وهذا كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه﴾ [التوبة: من الآية104]. وكقوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء:110]. ونظائر هذا كثيرة جدًّا.
وقال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره لقول الله عز وجل : ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ولَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون﴾ [آل عمران:135]. أي إذا صدر منهم أعمال سيئة كبيرة، أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربَّهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين، فسألوه المغفرة لذنوبِهم، والستر لعيوبِهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، فلهذا قال: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون﴾.
قلت: ومثل هذا ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني وصدق أبو بكر أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يذنب ذنبًا فيتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
وعن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منها فإن إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنَّهم مهتدون). وغير ذلك في هذا المعنى كثير.
تلك هي صفات أهل التقوى، فما هو جزاؤهم الدنيوي والأخروي؟
والجواب: هو أن الله ذكر جزاءهم في محكم القرآن العزيز، وعلى لسان الرسول
صلى الله عليه وسلم، وسأذكر ما يحضرني من ذلك مستدلاًّ عليه من الكتاب العزيز والسنة المطهرة:
1- مغفرة الذنوب، وقد سبقت الأدلة في ذلك قريبًا.
2- دخول الجنات المشتملة على جميع أصناف النعيم
كما قال تعالى:
﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين﴾ [آل عمران:136].
تفريج ما بِهم من هم وغم وكشف ما يصيبهم من كرب وضيق، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا -2, وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: من الآية2، 3].
4- تسهيل أمورهم وتيسيرها لهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: من الآية4].
ويكفي أهل التقوى شرفًا وفضلاً أن الله معهم بنصره وتأييده وحفظه وتوفيقه ورعايته كما قال عز و جل: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128].
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:13 pm من طرف hadil146

السبب السادس :العــدل فـي جميع الحقــــوق


والعدل: هو حسن المعاملة بين العبد وربه، وكذا حسن المعاملة بين العبد وبين غيره من الخلق على اختلاف منازلهم قربًا وبعدًا، ولأهميته فقد
وصى الله سبحانه عباده به في محكم كتابه في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: من الآية8].
وقال أيضًا: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: من الآية58].
وأخبر عز و جل أنه يحب أهله حيث قال: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: من الآية9].
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم في أهليهم وما ولو) رواه أحمد ومسلم والنسائي.
ومن هذه النصوص الكريمة يتضح لطالب الحق ومبتغي الفضيلة أن العدل من الصفات الرفيعة التي لا ينالها إلا من عرف الحق وعزم على قبوله وصمم على تنفيذه في واقع حياته، يرجو من وراء ذلك الظفر بمحبة الله له وما يترتب على تلك المحبة ثم الفوز بالوعد الكريم النازل على لسان النبي الصادق الأمين: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور).
ثم إن العدل له نواح متعددة، وجوانب كثيرة، من تتبعها وجدها كذلك فهو يكون في الأقوال: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: من الآية152].
وفي الأفعال والأعمال وجميع التصرفات الاختيارية الصادرة من البشرية قال تعالى: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: من الآية9]،
أي العادلين.
ثم هو يكون في المعاملة مع أفراد الأسرة التي تعتبر النواة الأولى للمجتمع كالزوجة أو الزوجات، ومع البنين والبنات، ومع الآباء والأمهات وغير هؤلاء من سائر المخلوقات، وكذا مع الرعية سواء كان الراعي من ذوي الولايات العامة أو الولايات الخاصة، وهكذا تجري المعاملة بالعدل مع القوي والضعيف، والذكر والأنثى، والحر والعبد، والعدو والصديق، والقريب والبعيد، ومتى طبقت الأمة الإسلامية مبدأ العدل والتزمت به لها وعليها فإنَّها ستكون أمة حية حياة ربانية يأمن فيها الخائف الضعيف، ويتورع فيها المتمكن القوي، وستعيش حينئذ عيشة آمنة هنيئة مطمئنة في ظل العدل الذي أنزله الله من السماء ليتفيأ ظلاله أهل الأرض، والعكس، فمتى فقد قانون العدل في مكان ما وحل محله الظلم والجور فتنتشر الفوضى بين الأمة، ويتسلط قويها على ضعيفها ويتحكم الراعي في حقوق الرعية بدون ارعواء ولا خوف من عقوبة عاجلة أو آجلة.
وحينئذ تكون الحياة حياة قلق، واضطراب، وخوف، ورعب، وسلب، ونَهب، أشبه ما تكون بحياة وحوش ضارية قد اختلفت أجناسها وتباينت قواها في غاباتِها المخيفة وخلواتِها المنعزلة البعيدة.
ولقد ضرب رسول الله ج وصحابته الكرام وأتباعه الأمجاد أروع الدرجات في قانون العدل وتنفيذه في واقع الحياة بدون تفرقة عنصرية أو نظرة قومية.
فقد جاء في الحديث، أن امرأة من بني مخزوم سرقت وكبر على أهلها أن تقطع يدها، فتوسطوا إلى رسول الله ج، وقالوا: (ومن يتجرأ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فغضب الرسول -عليه الصلاة والسلام- وقال: أتشفع في حد من حدود الله تعالى. ثم قام فخطب وقال: إنَّما أهلك الذين قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايْم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يده) رواه أحمد، والدارمي والبخاري، ومسلم، وأبو داود والترمذي.
ومثال آخر من أمثلة عدله
صلى الله عليه وسلم: (أنه كان في غزوة بدر الكبرى يمشي بين الصفوف لتعديلها وفي يده قدح، فمر برجل خارج عن الصف فطعنه في بطنه بالقدح ليعتدل، فقال الرجل -وهو سواد بن غزية-: لقد أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق والعدل، فاستخلص لي حقي منك. فقال له النبي ج: هذا بطني، فاقتص منه. فاعتنقه الرجل، وقبل بطنه. فقال له الرسول ج: ما الذي دفعك إلى هذا يا سواد؟ فقال: أحببت أن يكون آخر عهدي بالدنيا هو ملامسة جلدي لجلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولقد تأسى برسول الله
صلى الله عليه وسلم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فترسموا خطاه في العدل وغيره من أحكام الشريعة الإسلامية .
فهذا عمر بن الخطاب، وقد جاء أحد المصريين يشكو إليه مظلمة من محمد بن عمرو بن العاص، حيث ضربه بسوط قائلاً له: (خذها وأنا ابن الأكرمين. فاستدعى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص وابنه من مصر ولما حضرا، أمر عمر أن يقدم المصري على مرآى ومسمع من الجميع، وأن يضرب ابن عمرو بن العاص الذي ضربه ظلمًا، فضربه حتى أثخنه، ثم قال للمصري: اجلها فوق رأس عمرو فوالله ما فعل ابنه ما فعل إلا اعتمادًا على سلطة أبيه، ثم التفت الخليفة إلى المصري، وقال له: انصرف راشدًا فإن رابك ريب فاكتب إلي).
وهذا سعد بن معاذ الذي حكمه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بني قريظة فحكم فيهم بقتل مقاتليهم وسبي نسائهم وذراريهم حكمًا بالعدل الذي شهد به له رسول الله ج، حيث قال: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة). أي: سبع سموات. وغير ذلك من الأمثلة التي لا تدخل تحت الحصر في هذا المقام.
وحقًّا فإن شرائع الله كلها رحمة وعدل قام على تنفيذها والعمل بِها والدعوة إليها والجهاد في سبيلها رسل الله وأنبياؤه عبر تاريخ الأمم وتبعهم على ذلك في كل زمان ومكان أقوام اصطفاهم ربُّهم واجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم.
وختام القول: فما أعظم العدل وما أجل ثمراته الدنيوية والأخروية وما أحرى المسلمين بالتمسك به كي يحيوا آمنين مطمئنين، ويوم القيامة يكونون مع الأنبياء والشهداء والصالحين.
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:14 pm من طرف hadil146

السبب السابع :الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب درجاته

المراد بالمعروف: ما عرف حسنه شرعًا وعقلاً.
والمقصود بالمنكر: ما عرف قبحه شرعًا وعقلاً.

ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن عظيم من أركان هذا الدين القويم وفرض من فروضه، لا يستقيم إلا به، ولا يتم إلا بتطبيقه في صفوف الخليقة بحسب المراحل التي حددها الشارع الحكيم بقوله النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لَم يستطع فبلسانه، فإن لَم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيْمان)، ولأهمية هذا الركن العظيم في كل شريعة من شرائع الله فإن تاركه مع القدرة على القيام به يكون شريكًا لفاعل المعصية ومستحقًّا لغضب الله ومقته وانتقامه، وأما الأدلة على وجوبه وبيان فضله وبيان إثم تاركه فكثيرة جاءت في كتاب الله الكريم وسنة النبي الصادق الأمين أذكر منها ما يلي:

1- قوله تبارك وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} [آل عمران: من الآية110].
2- وقوله سبحانه في وصف المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} [التوبة: من الآية71].
3- وقوله عز و جل فيما قصه علينا من وصية لقمان لابنه حيث قال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور} [لقمان:17].
وغير ذلك من الآيات القرآنية كثير.

وأما الأحاديث فمنها ما جاء عن قيس بن أبي حازم قال: (قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وهي قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم} [المائدة: من الآية105]، وإنكم تضعونَها على غير مواضعها، وإني سمعت رسول الله ج يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه).
ومنها ما جاء في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري وجامع الترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها، إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا لَم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجو ونجو جميعً).
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن النسائي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنَّها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيْمان حبة خردل).
وروى الإمام أحمد -رحمه الله- عن درة بنت أبي لهب -رضي الله عنها- قالت: قلت: (يا رسول الله من خير الناس؟ قال: أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف وأنْهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم). وقال الهيثمي في المجموع (ج7/ص 266): رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر وغير ذلك من نصوص السنة في هذا الباب.

ومن نظر بنظرة تأمل في نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتضح له الخطر العظيم والعقوبة الصارمة في الدنيا والآخرة التي تترتب على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي ذكرها الله في كتابه الكريم بقوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ -78, كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون} [المائدة:78، 79].
وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالِم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، ولتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثُمَّ ليلعنكم كما لعنهم) حسن بشواهده. فأي عقوبة أعظم من هذه العقوبة، وأي وعيد أكبر من هذا الوعيد المترتب على ترك هذا الواجب العظيم من واجبات هذا الدين.
ومن هنا فإنه يجب على الأمة المسلمة العالمة بمعنى المعروف ومعنى المنكر أن تعتبره أحد أركان دينها، ودعامة أصيلة من دعائم شريعتها، وسهمًا فاضلاً من أسهم إسلامها، فإذا ما رأت تقصيرًا في معروف أو وقوعًا في منكر وجب عليها أن تسارع إلى تغييره، غير خائفة ولا هيابة من موت أو أذى أو قطع رزق أو سلب حياة أو منصب، إذ إن ما كتب لابن آدم من خير في الأزل فلن يستطيع رده أحد من البشر مهما قوي سلطانه وانتفش باطله وعظم جبروته، وهكذا ما كتب من بلاء وفتنة وضر فلن يستطيع أن يرده أحد عنه كذلك، كما نطق بذلك كتاب الله، وصرح به في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ -17, وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:17، 18].
وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لَم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لَم يضروك إلا بشيء، قد كتبه الله عليك).
وقوله صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث: (واعلم أن ما أصابك لَم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لَم يكن ليصيبك).
فهذه النصوص وأمثالها حملت كثيرًا من أهل العلم والدين والصراحة والغيرة على التضحية بأنفسهم عندما واجهوا الطغاة الجبارين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما فتنة الأئمة الأربعة والإمام ابن تيمية وغيرهم ممن وفوا بالبيعة مع الله عن الأذهان ببعيد.
ثم إنه يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط ثلاثة وهذه الشروط هي:
الأول الإسلام: إذ إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة لدين الله فلا يقوم به من هو عدو للدين.
الثاني التكليف: وذلك لأنه شرط لوجوب سائر العبادات فلا يجب على من رفع عنه القلم كالصبي والمجنون حتى يبلغ الأول ويفيق الثاني.
الثالث الاستطاعة: فلم يكلف الله الإنسان إلا بما في وسعه وطاقته، كما قال عز و جل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: من الآية286].

والحقيقة: أن من سائر أحوال كثير من الناس في هذا الزمان رأى وسمع وعلم من المنكرات ما تستوحش منه النفوس، وتتفطر منه القلوب وتدمع له العيون ويندى له الجبين وتقض له مضاجع أهل الإيمان، وهذه المنكرات تتجلى في الانحراف من كثير من الناس عن كثير من تعاليم الدين الإسلامي والتبني لكثير من الأمور الجاهلية المظلمة في شتى صورها، فتجد مثلاً:

1- الانحراف في العقيدة: حيث إن معظم الناس نبذوا عقيدة الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة واختاروا لأنفسهم مللاً ونحلاً ومذاهب شتى وذلك كالوثنية الضاربة طنبها في معظم بلدان المسلمين، الممثلة في عبادة أهل الأضرحة حيث يطلب منهم جلب المصالح، ودفع المضار كعادة الجاهلية الأولى، والممثلة أيضًا في عبادة زعماء الصوفية المنحرفين عن عقيدة المسلمين والذين ضلوا وأضلوا كثيرًا، وبدلوا دين الله وأظهروا في الأرض الفساد ومما يؤسف له أن المغيرين لهذا المنكر العظيم قليل، أما الساكتون والأتباع فهم كثير ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكذلك الجهمية والمعتزلة والأشعرية والمرجئة والصوفية والرافضة والخوارج والإسماعيلية والنصيرية والدرزية والوجودية والشيوعية الماركسية والاشتراكية والعلمانية العالمية وغير ذلك من الملل والنحل والمذاهب الضالة المضلة التي لَم تستمد من الأنوار الرحمانية، وإنما استمدت من الوسوسة والإيحاءات الشيطانية.
2- الانحراف في العبادات العملية: وذلك إما بتركها وإما بالتهاون والتلاعب بِها، وإما بإدخال البدع التي تخالف الهدي النبوي الكريم فيها.
3- الانحراف في المعاملات: بحيث يكون كسب المال وجمعه غاية من الغايات يتوصل إليه بأي وسيلة من الوسائل، ويسلك في سبيل تحصيله كل طريق من الطرق بدون تقيد بشرع الله أو التزام بحقوق الآخرين من عباد الله.

4- الانحراف في الأخلاق والسلوك: فقد تنكب معظم الناس القيم والمثل الإسلامية الأصيلة وطفقوا يقلدون أعداءهم من أهل الشرق الملحدين وأهل الغرب الإباحيين، وذلك في التشبه بِهم في أمور كثيرة، كالإسبال في الثياب، والخنافس فيها وفي الشعور الطويلة، ودبلة الذهب، وفي التسيب وقتل الأوقات في السهرات البغيضة على أنواع من الألعاب التي استوردها من لا خلاق لهم، ولا قيمة للأوقات عندهم، وذلك كلعبة النرد والشطرنج والضمنة والكيرم وبلوت الورق، التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتعود لاعبها على السباب والكذب والمهاترات، وتدخله في نطاق الميسر غالبًا وكثيرًا ما يستعمل أهلها المخدرات والمفترات ظلمات بعضها فوق بعض ومن لَم يجعل الله له نورًا فما له من نور ولا حول ولا قوة إلا بالله.

5- الانحراف في الاتجاهات الفكرية: التي تنتج عنها الحروب المدمرة والعداوات المتبادلة والاختلافات في الرأي، والتمزيق لوحدة الأمة الإسلامية والفشل الذريع الذي يريح نفوس الخصوم، ويثلج صدور الأعداء.

وإذ كان الأمر كذلك بلا شك ولا ارتياب، فما هو الواجب على طلاب العلم حيال هذه الأمراض والانحرافات والمنكرات؟

الجواب:

إن الواجب على كل طالب علم أن يبذل قصارى جهده في تغيير تلك المنكرات بما أوتي من قدرات علمية وطرق تربوية بالكتابة والخطابة والمناقشة الهادئة وبكل وسيلة من وسائل التبليغ شارحًا للأمة محاسن دينها القويم، وداحضًا شبهات الضالين المضلين من أهل العقائد الفاسدة، والمذاهب الهدامة، والطرق الضالة، أعني الذين أصيبوا بتلك الانحرافات الخطيرة في عقيدتِهم وعبادتِهم ومعاملاتِهم وفي أخلاقهم وسلوكهم، فمن قام بتغيير ذلك من أهل العلم، وحملة الشريعة، ودعاة الهدى، براءة للذمة ونصحًا للأمة قاصدًا وجه الله والدار الآخرة، فقد نجا وسلم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ودخل في عداد من قال الله فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} [آل عمران: من الآية110].
ومن كتم وسكت وداهن وهو قادر على إنكار شيء من المنكرات فقد عرض نفسه للعذاب البئيس بتركه لأقدس واجب فرضه الله على كل مسلم ومسلمة، كما قال عز و جل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون} [لأعراف:165].
ومن هذه النصوص تعرف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة إلى الله، وجهاد في سبيل الله، ونصر للحق وإحباط للباطل، لذا فإنه يجب على أهله الصدق فيه والصبر والإخلاص.

hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:15 pm من طرف hadil146

السبب الثامن :الإحسان في كل شيء كما كتبه الله عز وجل

والإحسان تولى تفسيره سيد الأنام صلى الله عليه وسلم بقوله: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لَم تكن تراه فإنه يراك). وهذا التفسير النبوي الكريم يدل على أنه يجب على العبد أن يكون مستشعرًا مراقبة ربه دائمًا في كل آونة وأوان، وفي كل لحظة من لحظات العمر فإنه سبحانه يعلم ويبصر ويراقب كل تحركات مخلوقاته وسكناتِهم، ويعلم جميع تصرفاتِهم الحسنة والسيئة، أقوالها وأفعالها، ظاهرها وباطنها، كما قال عز و جل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: من الآية1].
وقال سبحانه: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَار} [الرعد:10].
فإذا أيقن العبد أن ربه مطلع على جميع أعماله بل ومطلع على ما في نفسه من الوساوس والأحاديث والخطرات -وكان من أهل الهداية والعقل- فإنه سيكف نفسه عن الوقوع في معاصي الله التي تسبب له المقت والسخط، وتوجب له الغضب والعذاب الأليم، وثم إنه سيظل مستثمرًا أوقاته في تحصيل كل عمل صالح مبرور يوجب له رضا الله، ويدنيه من ربه خالقه ومولاه.
ولأهمية هذا الركن وجلالة قدره قد أمر الله عباده أن يطبقوه في واقع حياتِهم تطبيقًا عمليًّا، حيث قال -تبارك وتعالى-: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: من الآية195].
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فاحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).
ولقد أخبر الله عز وجل أن رحمته قريبة من أهل الإحسان فقال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين} [الأعراف: من الآية56].
كما أخبر سبحانه بأن لأهل الإحسان الجزاء الأوفى وزيادة، قال:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: من الآية26].
أي الجزاء الحسن في الدار الآخرة وزيادة وهي النظر إلى وجه الله الكريم وبين سبحانه بأنه مع المحسنين بالنصر والهداية والتوفيق، وذلك بسبب ما اتصفوا به من صفة الإحسان الذي يعتبر أعلى درجة من الإسلام والإيْمان.
إذا فهم هذا فإن للإحسان مظاهره التي تتجلى في حسن المعاملة بين العبد وبين ربه، وذلك بأداء الواجبات، وفعل المستحبات في العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق والسلوك، وكذا في ترك المعاصي على اختلاف أنواعها إذ إنه تتنافى مع الإحسان وأخلاق المحسنين، فإن الإحسان في العقيدة معناه أن يعلق العبد قلبه بخالقه الذي آمن بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأن يتجه إليه بجميع أعماله الظاهرة والباطنة وأن يرجو منه وحده جلب المصالح، ودفع المضار كقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وشفاء المريض، ودفع جميع المكروهات، وبجانب هذا الاعتقاد الحق فإن صاحبه يرفض الاستجابة لنداء أهل الشرك والضلال من القبوريين وزعماء الصوفيين الذين يدَّعون أن لأصحاب الأضرحة اليد الطولى في إغاثة الملهوف، وجلب الرزق، وإنجاب الولد، ودفع المكروه، وغير ذلك من الأمور التي لا تطلب إلا من الله الذي انفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة والهداية والإضلال والتدبير لجميع الأمور.
ومن المؤسف أن هؤلاء الذين غلو في حب الأولياء أصحاب الأضرحة أكثرهم يقرءون القرآن، ويلبسون عمائم العلماء، فازدادت فتنة الناس بِهم واتخذوهم قدوة واعتبروهم أئمة -ولا شك أنَّهم أئمة يدعون إلى النار- فصدوهم عن سبيل الله، وأنسوهم ذكر الله، ويوم القيامة ترى الأتباع والمتبوعين من هؤلاء القبوريين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضًا وما لهم من ناصرين، إلا من يدركه الله برحمته قبل الممات فحقق التوحيد وتخلص من شوائب الشرك بالله.


وأما الإحسان في العبادة بقسميها المالية والبدنية فهو الإتيان بِها خالصة لله صوابًا على شرع الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك كالصلاة والزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك من العبادات والطاعات التي شرعها الله تطهيرًا للقلوب، وتزكية للنفوس والجوارح، وتكفيرًا للخطايا والذنوب، وأما الإحسان في الأخلاق والسلوك فيتم بالتأسي برسول الله ج في خلقه العظيم وسلوكه الطاهر المستقيم، المستمد من كتاب الله الحكيم، ومن سنته عليه من ربه أزكى الصلاة وأتم التسليم.
ولَمَّا سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق الرسول ج قالت: (كان خلقه القرآن)، أي يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويؤمن بمحكمه، ويتعظ بمواعظه، ويعتبر بقصصه وأمثاله، ويتأثر بوعده ووعيده، ويتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ويقوم به كذلك، وإنه لجدير بأتباع هذا النَّبِي الكريْم بأن يتخذوا منه القدوة الحسنة والأسوة الصالحة الرشيدة فيجعلوا القرآن لهم إمامًا وقائدًا، ويحرصوا صادقين أن يكون لهم خلقًا وشفيعًا وشاهدًا.

وأما معنَى الإحسان إلى الغير فإنه يتجلى في الأمور التالية:
1- في التعاون معهم على البر والتقوى، اللذين هما جماع كل خير وصلاح.
2- في أمرهم بالمعروف ونَهيهم عن المنكر ودعوتِهم إلى طريق الهدى والرشد ليكونوا من الراشدين.
3- في إعانتهم على قضاء حوائجهم ونصرتِهم ظالمين أو مظلومين، رجاء في ثواب الله، ورغبة في نيل رضاه.

4- في تربية شبابِهم تربية إسلامية صحيحة لأن شباب الأمة هم رجال الغد وقادة المستقبل، فإن وجهوا توجيهًا إسلاميًّا، وربوا تربية إيْمانية، فإنَّهم سيكونون رجالاً صالحين ومصلحين، وقادة في الخير مجاهدين، ومرشدين، وإن أهملوا من قبل العلماء الربانيين احتضنتهم الشياطين، فغيرت فطرتَهم التي فطرهم عليها رب العالمين فنشئوا حيارى ضالين لا يبصرون طريق الحق، ولا يميزون بينها وبين سبل الغواية والضلال، فما ربحت تجارتُهم، وما كانوا مهتدين.
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:16 pm من طرف hadil146

السبب التاسع :صلة الأرحام بكل ما تحمل من معنى

الأرحام: هم الذين يمتون إلى الشخص بصلة نسب من قريب أو بعيد وقد حث الإسلام على الصلة، وأثنى على الواصلين، وبجانب ذلك حذر من القطيعة وتوعد أهلها بأشد العقوبات الدنيوية والأخروية، كما جاء ذلك كله مفصلاً في الكتاب والسنة.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَاب} [الرعد:21].
وقال سبحانه محذرًا من القطيعة: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ -22, أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم} [محمد:22، 23].
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم أترضين، أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فذاك). ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرءوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم} [محمد:22].

وروى الإمام أحمد -رحمه الله- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنب أحرى أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم).
وقال الإمام أحمد أيضًا: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرحم معلقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصله).
وجاء في حديث قدسي، قال الله عز وجل : (أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسْمًا من اسْمي، فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبته). والنصوص في هذا الموضوع كثيرة جدًّا.
قلت: ومن أمعن النظر في هذه النصوص الكريمة وجدها صريحة في الحث على صلة الرحم، والتحذير من القطيعة كما هي صريحة أيضًا في ربط العلاقات الأسرية بين المسلمين بحيث يشعر بعضهم بحق البعض الآخر، ويقتنع به فلا يضيعه ولا يهضمه ولا يبخسه، مما يدل على أن شريعة الإسلام شريعة المحبة والتعاطف والتراحم والمواساة.
ومن خلال هذه الأسس الرفيعة، يحصل الوئام الخالص، والشعور الطيب المتبادل بين أفراد الأسرة التي تعتبر النواة الأولى للمجتمعات الإسلامية الفاضلة.
ومما ينبغي التنبه إليه: أن الصلة كما تكون بالزيادة الحسية تكون بالمال ولاسيما عند قدرة الواصل، وحاجة الموصول، وهكذا تقوم الصلة بالتعليم والنصح والتوجيه إلى أقوم طريق وخير زاد، وأفضل عمل.
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:18 pm من طرف hadil146

السبب العاشر:أداء الأمانة بقسميها


بين يدي الموضوع: مما لا يرتاب فيه مسلم، ولا يتردد في أحقيته مؤمن أن أداء الأمانة على الوجه الأكمل والطريق الثابت الصحيح سبب عظيم من أسباب المخرج من شدائد يوم القيامة والأهوال العظام التي ستكون فيه، وحق إن فيه لشدائد وأهوال وكربات تذهل الخلائق وتشغل كل قريب عن قريبه كما صرحت بذلك الآيات البينات والأحاديث الصريحات حتى إن الرسل الكرام والأنبياء العظام تطلب منهم الخلائق في ذلك اليوم الشفاعة، فكل واحد يعتذر ويعلن بأنه مهتم بنفسه كما في حديث الشفاعة الطويل الذي مر بك في البحث المبارك حتى ينْزل الطلب بمن ختم به الأنبياء والرسل، وختمت برسالته جميع الرسالات محمد ج الذي قال له ربه: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79].
فالمقام المحمود هو شفاعته للأمم كلها في فصل القضاء بعد المكث الطويل والهول الرهيب فينصرفون من مواقف القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير، ومن أراد أن يشاهد ذلك الهول وتلك الشدائد بعين البصيرة، فليقرأ بتدبر هذه الآيات الكريمات قال عز و جل: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1), يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2].
وقال سبحانه: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18].
وقال -تبارك وتعالى-: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].
وقال -جل شأنه-: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: من الآية18].
وقال -عز من قائل-: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا -17, السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:17-18].
وغير ذلك من الآيات في هذا المعنى كثير، وإن في هذه الآيات لبيانًا جليًّا عن شدة الأهوال في يوم القيامة، وتغير الأحوال وتراكم الأحزان والكروب على الخلائق كل بحسب ما جنى وقدمته يداه.
فاللهم يا فارج الكربات إنه بطأ بنا العمل، ورحمتك وسعت كل شيء، فتغمدنا بِها واجعلنا في ذلك اليوم في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، واجعل مقرنا جنتك الفردوس مع أنبيائك ورسلك والصديقين والشهداء، والصالحين من عبادك إنك جواد كريم، وبعبادك رءوف رحيم.
وبعد: فحديثي عن موضوع الأمانة، سيكون على النحو التالي:
1- تعريف الأمانة لغة وشرعًا.
2- بيان أقسام الناس بحسب قيامهم بِها وعدمه.
3- ذكر نموذج من الأمور التي اؤتُمن عليها المكلف.
4- أهمية الأمانة في كل شريعة من شرائع الله.
5- ثَمراتُها الدنيوية والأخروية.

1- أما تعريف الأمانة:
فِي اللغة: فهي ما اؤتُمن عليه المكلف.
وفِي الشرع: هي ما اؤتُمن عليه المكلف من وظائف الدين الإسلامي الحنيف سواء كان ذلك فيما بين الخلق وخالقهم، أو فيما بين الخلق بعضهم لبعض.
فقد أمر الله الخلق بأداء ذلك كله حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].
2- أقسام الناس فيها:
وقد انقسم الناس في الأمانة بحسب قيامهم بِها وعدمه إلى ثلاثة أقسام:
أ- قسم قاموا بِها ظاهرًا لا باطنًا: وهم المنافقون الذين فضحهم الله وأخزاهم في آيات بينات، وذكر الله فيها أعمالهم القبيحة وصفاتَهم الذميمة ومصيرهم السيئ الخطير، قال عز و جل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:145].
ب- وقسم لَم يقوموا بِها لا ظاهرًا ولا باطنًا: وهم المشركون الذين ليس لهم حظ في رحمة الله ولا نصيب في مغفرته، لأنَّهم أشركوا بالله ما لَم ينْزل به سلطانًا، قالوا عليه بغير علم وافتروا عليه الكذب، فأولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصًا.

جـ- وقسم قاموا بِها باطنًا وظاهرً: وهم المؤمنون الذين وصفهم ربُّهم بأزكى الصفات، ووعدهم جزيل الهبات، حيث قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ -1, الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون -2, وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ -3, وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ -4, وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ -5, إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ -6, فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ -7, وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -8, وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -9, أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ -10, الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1، 11]. وغير ذلك من الآيات في صفاتِهم الحميدة كثير.
ولقد ذكر الله أعمال هذه الأقسام الثلاثة وجزاءهم في آية واحدة، حيث قال عز و جل: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:73].
ومِمَّا هو جدير بالمعرفة أن الأمانة قد عرضت على السموات والأرض والجبال قبل عرضها على آدم أبي البشر فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها آدم، كما قال عز و جل: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب:72].

قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: (الأمانة هي الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال، إن أدوها أثابَهم، وإن ضيعوها عذبَهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله عز وجل أن لا يقوموا به، ثم عرضها على آدم وقبلها بِما فيه).
قال النحاس: وهذا القول الذي عليه أهل التفسير.
3- ذكر نَموذج من الأمور الَّتِي اؤتُمن عليها المكلف من الخلق:

اعلم أيها المسلم، أن الله الذي أسلمت وجهك له، وأقررت له بالخلق والرزق والفضل والإحسان، قد ائتمنك على أمور كثيرة داخلة تحت وسعك وقدرتك وسوف يسألك عنها، فإن أنت أديت الأمانة فيها، فلك من الله الحياة المباركة، حياة الأمن والطمأنينة والسلام في دار السلام، وإن أنت خنت الأمانة فيها فقد بؤت بالإثم والخسران والندامة والهوان.
من هذه الأمور:
أ- الاستقامة والثبات على الشهادة لله بالوحدانية، وأنه هو المعبود الحق وعبادة من سواه باطلة، والشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنَّها هي الرسالة العامة الخاتمة، فلا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولا رسالة تحكم شئون العالم إلا رسالته، فمن ابتغى غيرها، وادعى صحة التعبد بسواها، فقد ضل سواء السبيل، واشترى الباطل بالحق، واستحب العمى على الهدى، فقال -تبارك وتعالى-: {قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [الأعراف:158].

ب- القيام بجميع أركان الإسلام، والإيمان، والإحسان إذ إن العمل بِهذه الأركان كلها أمانة في عنق كل مكلف ذكرًا كان أو أنثى، فمن قام بِها علمًا، وعملاً، ودعوة إليها فقد أدى الأمانة، ومن بخسها فقد خان بقدر ما حصل منه من بخس من حقها، وسوف يسأل عن ذلك يوم الجزاء والحساب على الأعمال.
جـ- الطهارة بقسميها: طهارة الباطن، وطهارة الظاهر.
والمراد بطهارة الباطن: هي تزكية النفس وتصفيتها من كل انحراف عقدي أو خلقي أو سلوكي.
والمراد بطهارة الظاهر: هي الطهارة من الحدث والنجس، وقد جعل الله الماء طهور لذلك كله، كما قال عز و جل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: من الآية48].
وعند فقده، شرع الله التيمم بالصعيد الطيب رحمة بعباده وتيسيرًا عليهم لئلا يقعوا في حرج أو عنت حيث قال عز و جل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ -6, وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [المائدة:6، 7].
فمن قام بالطهارتين وأداهما على مراد الله ورسوله فقد أدى الأمانة فيهما ومن أضاعهما أو بخس شيئًا فسوف يسأل عن ذلك كله يوم الجزاء والحساب على الأعمال.
د- جميع الجوارح أمانة في عنق صاحبها وسوف يسأل عنها جارحة جارحة:

1
فالفرج أمانة يجب على الإنسان حفظه من جعله في الحرام، إذ إن استعماله في الحرام خيانة، توجب العقوبة الدنيوية والأخروية كما قال المولى الكريم سبحانه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِين} [النور:2].
ورد في السنة المطهرة ما رواه مسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني خذوا عني البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).
وما تلك العقوبات إلا بسبب تضييع أمانة هذه الجارحة، جارحة الفرج الذي أمر الله أن يحفظ من الحرام ويوضع في الحلال.
2
وجارحة السمع أمانة لدى صاحبها، فاستعمالها فيما يجب أداء للأمانة، وذلك كسماع قراءة القرآن وسماع السنة المطهرة اللذين يستمد منهما كل خير وبر وصلاح، هكذا سماع الخطب والمواعظ والوصايا وكل نافع يستفيد منه الإنسان في دينه ودنياه.
أما إذا استعملت هذه الجارحة في سماع ما يحرم على العبد كالتجسس على المؤمنين للإضرار بِهم أو سماع الغيبة والنميمة، وقول الزور وفحش القول أو سماع الأغاني الخليعة التي يجب على المسلم أن ينَزه سمعه عنها أو سماع ضرب الطبول والعود والرباب والمزامير، أو سماع أصوات النساء الأجنبيات على سبيل التمتع والتلذذ النفسي، فهذا ونحوه كله خيانة في استعمال هذه الجارحة التي اؤتمن عليها هذا المخلوق المكلف.
3
وجارحة البصر أمانة لدى صاحبها، فإذا استعملها فيما يحب النظر فيه كالنظر في كتاب الله وسنة رسوله ج وفي الكتب النافعة دينًا ودنيا، وكالنظر في مخلوقات الله للتفكر والاستدلال بِها على وجود خالقها وبارئها وغير ذلك مما ينبغي النظر فيه، وكذا النظر إلى كل ما يباح النظر إليه، فإن استعمال هذه الجارحة على هذا النحو حق وحلال ووضع للشيء في موضعه.
أما إذا استعملت جارحة البصر في النظر إلى ما لا يحل للإنسان النظر إليه، كالنظر إلى النساء الأجنبيات على أي صفة من الصفات على سبيل التلذذ، أو النظر إلى الشاب الأمرد لاسيما الوسيم من الشبان، أو النظر إلى أي منكر يفعل فإن ذلك خيانة لا يقرها عقل صحيح ولا يرتضيها الشرع الإلهي الشريف.
4
وجارحة اللسان أمانة وهي من أعظم الجوارح إما نفعًا أو ضررًا فإن استعمل هذا الجرم الصغير في قول الحق كقراءة القرآن الكريم والذكر لله بجميع أنواعه والاستغفار وتعليم الناس أمور دينهم وأمرهم بالمعروف ونَهيهم عن المنكر وبذل النصح لهم، ونحو ذلك من كل كلم طيب، فإن صاحبه يجني ثمراته في دنياه وأخراه وكان حافظًا للأمانة فيه، أما إذا استعمل في غير وظيفته، كأن يستعمل في منكر القول وفحشه من كذب وسب وشتم وغيبة ونميمة وسخرية وغناء وقلب للحقائق لينصر الباطل ويغمط الحق فقد خان الأمانة وانحرف بِهذا العضو إلى غير ما خلق له.
5
والبطن أمانة، فلا تؤدى الأمانة فيه إلا إذا أودع فيه الحلال وحفظ به وأودع فيه الخير بحذافيره، فيكون وعاء لذلك الخير، أما إذا أودع صاحبه فيه الشر وجعله وعاء له فقد انحرف به وخان الأمانة في هذا العضو.
6
وهكذا اليد أمانة والرجل أمانة فإذا استعملهما العبد في كل ما ينفعه في دينه ودنياه، وزاول بِهما جلب المصالح ودفع المضار، وراقب الله في كل تحركاتِهما وسكناتِهما، فقد أدى الأمانة فيهما، وإن سلطهما فيما لا يحل له من سفك دم معصوم أو ضرب بريء أو سرقة أو نَهب أو مشي إلى محرم وفساد فقد خان الأمانة التي فرضت على هذه الأعضاء، وبالتالي فليعلم الإنسان أن هذه الجوارح من نعم المولى عليه وسوف يسأل عن استعمالها كما قال الله عز وجل : {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } [الإسراء:36].
وهناك أمانات أخرى اؤتُمن عليها هذا الإنسان المكلف، وذلك كتربية الأولاد وبذل النصح للرعية وتبليغ الدعوة إلى الله، والقيام بحق القرابة والجوار وأداء ما أنيط به من عمل ما في جهة من الجهات وفي أي حقل من الحقول وفي أي نوع من أنواع العمل.
ومن هذا العرض المفصل يدرك القارئ الكريم مدى أهمية الأمانة في شرائع الله الْمنَزلة، إذ بِمراعاتِها توجد الحياة السعيدة، وبإضاعتها أو بخسها تختل موازين الحياة وتسوء العاقبة وتسود الفوضى، ويتسلط القوي على الضعيف بدون خوف أو حياء وبدون تفكير أو تأمل في نِهايات الأمور.
4- وأما ثَمرات الأمانة فمنها:

الظفر بثواب الله العاجل والآجل.
براءة الذمة والخروج من التبعة.
الفوز برضا الله واتقاء سخطه.
ارتفاع راية العدل فيما كان متعلقًا بحق الله، أو فيما كان متعلقًا بحقوق عباد الله.

يتبع إن شاء الله.........
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:20 pm من طرف hadil146

السبب الحادي عشر :خشية الله في السر والعلن

الخشية نوع من أنواع العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل وحقيقتها هي خوف المخلوق من خالقه خوفًا مقترنًا بالتعظيم والتقديس، ولما كانت الخشية من العبادات التي لا يستحقها إلا الله الخالق لكل شيء والمالك له والمتصرف فيه، فقد نَهى الله المؤمنين عن الخشية من الخلق وأمرهم بخشيته وحده دون سواه فقال سبحانه: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْن} [المائدة: من الآية3].
ولعظم شأن الخشية واعتبارها من العبادات الفاضلة فقد وصف الله بِها ملائكته الكرام حيث قال: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون} [الأنبياء: من الآية28].
كما وصف بِها أهل تبليغ رسالاته فقال: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39].
وكذا وصف الله بِها العلماء وحصرها فيهم على وجه الكمال فقال: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: من الآية28].
ونعت بِها أهل الإيْمَان الحق والعقول الصحيحة حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَاب} [الرعد:21].

وانطلاقًا من مدلولات هذه النصوص الكريمة فإن الواجب على العبد المسلم أن يقوم بالواجبات كلها استجابة لله، ومتابعة لرسول الله ج من أداء فرائض الله والدعوة إليه والجهر بكلمة الحق، و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير خائف ولا هياب، لا يخشى إلا الله ولا يخاف لومة لائم من أهل دنيا التراب؛ إذ إن أهل الخشية لله هم أهل الخير على الحق والثبات عليه هم أهل العدل فيما ولوا، وهم أهل الخير والإحسان فيما بينهم وبين ربِّهم، وفيما بينهم بعضهم بعضًا، وهم أهل الإيْمان الصحيح والعمل الصالح القولي والفعلي الذي يريدون به وجه الله والدار الآخرة، وهم أهل الصدق والصبر، والإيثار والوفاء لكمال معرفتهم لحقوق الله وحقوق عباده وهم أهل التقوى والتمسك بالعروة الوثقى الذين أصلح الله حالهم، ورفع شأنَهم وأعلى قدرهم لتمسكهم بحبله المتين وسلوكهم صراطه المستقيم، صراط المنعم عليهم من الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين، وبغضهم طريق أهل الزيغ والفساد والانحراف من اليهود الماكرين، والنصارى الضالين، ومن سلك طريقهم، واقتدى بسنتهم، وتشبه بِهم من المقلدين المغرورين الراغبين عن تعاليم الدين القويم الذي قال الله في شأنه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [آل عمران:85].
كما أن أهل الخشية لله هم أولياء الله حقًّا، وأحباؤه صدقًا: {إن أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُون} [الأنفال: من الآية34].
وهم أهل الجهاد في سبيل الله، والغيرة على محارمه، وأهل الحب فيه والبغض فيه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والتوكل عليه، والرجاء فيما في يديه، وما ذلك إلا لكمال خشيتهم له سبحانه، وتقديرهم له حق قدره، وعمق إيْمانِهم بأنه أحق أن يخشى، وخير من يحب ويرجى وهم أهل العبادة الصحيحة الخالصة والتوبة الشرعية الصادقة وأهل العلم النافع والعمل الصالح والحفظ لحدود الله.

وقصارى القول: فإن أهل خشية الله هم أصحاب العقيدة الصحيحة والصفات الزكية الحميدة، والأعمال الصالحة السديدة، والسلوك الحسن والأخلاق الفاضلة الرفيعة، ولا تثريب على من قال مفاخرًا بِهم ومعتزًّا بصنيعهم:
أولئك آبائي فجئني بِمثلهم إذا جمعتنا يا جرير الْمَجامع
ولعل سائلاً يسأل فيقول: إذا كانت تلك صفاتُهم، فما هو جزاؤهم؟
فيقال له: قد أوجزه الله -تبارك وتعالى- في آية واحدة قال: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8].
hadil146
رد: النجاة من كرب القيامة
مُساهمة الأحد فبراير 12, 2012 3:24 pm من طرف hadil146

السبب الثاني عشر :اتباع سنن الهدى والسعي في إحيائها وذكر بعض منها بالتفصيل

وأعني بِها التي شرعت على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي في الواقع كثيرة ومتنوعة، لا يستطاع حصرها ولا يمكن استيفاؤها في مكان واحد غير أنني سأذكر بعضًا منها، وذلك بحسب الجهد وقدر الإمكان مراعيًا طريق الاختصار.
فأقول:
من سنن الهدى:
صلاة الجماعة:
لقد شرعت صلاة الجماعة على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم رحمة بِهذه الأمة لما فيها من الخير الكثير،والأجر الوفير، والحياة الاجتماعية المباركة، فلقد أذن الله عز وجل أن تبنى لها المساجد في الحاضرة والبادية ويعلو صوت الحق داعيًا إلى كل فريضة من الفرائض الخمس، كي تؤدى كما أمر الله، وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ -36, رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ -37, لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [النور:36، 38].
ونظرة سريعة إلى تاريخ السيرة النبوية العطرة نجد أن أول شيء بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة النبوية -مهاجره الكريم- هو بناء المسجد، وما ذلك إلا لأهمية صلاة الجماعة في شريعة الإسلام، إذ إنَّها تشتمل على كثير من المصالح الدينية والاجتماعية يندر وجودها في غيرها.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه سولم, وأصحابه معه، ومن بعده يصلون الصلاة جماعة حضرًا وسفرًا لا يتخلف عنها أحد إلا من عذر شرعي، كالمرض والمطر والخوف ونحو ذلك من الأعذار المقبولة والمبررات المعقولة، وبلغ بِهم الحرص على إقامة الصلوات جماعة بأن صلوها وهم في وجوه أعدائهم في ميدان المعركة، كما هو موضح في سورة النساء، وفي أحاديث صلاة الخوف الثابتة عن رسول الله ج بصفاتِها المتعددة.
ومن هنا يدرك المسلم الذي ينشد الحق ويبتغي الفضيلة أن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان البالغين، وأن تاركها بدون عذر شرعي آثم قد عرض نفسه للوعيد الشديد، وحرمها من الثواب العظيم الذي يترتب على إقام الصلاة جمعة وجماعة مع المسلمين في بيوت الله التي لا يعمرها عمارة حسية ومعنوية إلا من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولَم يخش إلا الله.
ولقد جاء في الترغيب أحاديث كثيرة، منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) متفق عليه.

ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه بخمس وعشرين جزءً. ومنها ما روى البخاري -رحمه الله- من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(صلاة الرجل في الجماعة تفضل عن صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفً).
قلت: ودلالة هذه النصوص وما في معناها صريحة في فضل صلاة الجماعة وكثرة ثوابِها بالإضافة إلى ما يكتسبه المصلي جماعة من ثواب الخطا إلى المساجد ذهابًا وإيابًا، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعًا وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لَم يخط خطوة إلا رفع له بِها درجة وحط عنه بِها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لَم يؤذ فيه، ما لَم يحدث فيه) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
والحقيقة: أن هذا فضل كبير وخير كثير، حرم منه المتخلفون الذين ثبطهم الشيطان وزين لهم طرق الحرمان، والتقم قلوبَهم فتثاقلت رءوسهم فلا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، وإذا حضروها لَم يحضروها إلا دبارًا، ولقد ثبت الوعيد الشديد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل متخلف عن صلاة الجماعة بدون عذر، واستحق الغضبة المحمدية التي تتجلى في قوله صلى الله عليه وسلم:
(والذي نفس محمد بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتَهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) أخرجه مالك والبخاري واللفظ له ومسلم والنسائي وابن ماجه.
قلت: وفي هذا الحديث النبوي الشريف دليل على أن التخلف عن صلاة الجماعة كبيرة من كبائر الذنوب لأن التحريق بالنار عقوبة غليظة لا يكون إلا على ذنب كبير. ولقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم التخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق كما ورد في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوً) متفق عليه.
قال الحافظ -رحمه الله- في الفتح: "وإنَّما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما، لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم" انتهى.’.
قلت: ولقد أخبر الله عز وجل أن جميع الصلوات ثقيلة وشاقة على المنافقين فقال تعالى: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: من الآية54].
كما بين سبحانه في موضع آخر من كتابه الكريم، أنه لا يحرص على الصلوات جمعة وجماعة في الحضر والسفر إلا من كان من أهل المحبة لها والخشوع فيها حيث قال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ -45, الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون} [البقرة:45-46].

وخلاصة القول: فإن صلاة الجماعة من سنن الهدى فمن أداها صادقًا مخلصًا كما شرعها نبي الرحمة والهدى، فقد سعد بالتوفيق، ومن لَم يُؤَدِّيها فقد أسره الشيطان والهوى، فضل وغوى، وسيندم على ما فرط يوم يجزي الله الذين أساءوا بما عملوا، وسيجزي الذين أحسنوا بالحسنى.

وأخيرًا: فإن مما يؤسف المؤمن ويحزنه ويشغل باله ويقض مضجعه، ما يفعله كثير من الحمقى، وأصحاب الهوى، من سهر بالليل على الألعاب البغيضة كلعب الطاولة بجميع أشكاله، من ضمنة وكيرم ونرد وشطرنج ونحو ذلك، المقرونة غالبًا بالسباب والكذب والشتائم ولغو القول والضياع لفرائض الله، والإهدار لقيمة الوقت الغالي الذي وهبه الله للاستفادة منه دينًا ودنيا، ومن العكوف أيضًا على استعمال الشيشة الممقوتة المنتنة، المحفوفة بآلات اللهو الصاخبة الصادة عن ذكر الله وعن الصلاة.
هكذا تقضى آية الليل، الذي جعله الله لعباده لباسًا وسكنًا عند أولئك الحمقى حتى إذا اقترب وقت صلاة الفجر تفرقوا، وبئس ما تفرقوا عنه، فناموا بدون حساب لفريضة الفجر المقدسة التي تشهدها ملائكة الليل، وملائكة النهار، ولا مبالاة بصلاة الظهر والعصر، وهكذا يقضون آية النهار نومًا ينسيهم الأكل والشرب والصلاة وغيرها من الواجبات ومن متطلبات الحياة.
وما إخال هذا الصنف من المسلمين -والله أعلم بخلقه غير أن المؤمنين شهداء الله في أرضه- ما أظن هذا الصنف إلا أنه قد نزل بقلوبِهم مرض هم اشتروه مختارين، واستحبوه راضين به ومعجبين، أجسامهم أجسام الآدميين، وأرواحهم وقلوبُهم قد استحوذت عليها الشياطين، إذا وجهت إليهم نصائح الناصحين، كانوا عن جلها معرضين، وإذا هددوا بالتأديب كانوا غير مكترثين، فما موقف أهل الدعوة إلى الله والإيْمان من هؤلاء الذين استحوذ عليهم الشيطان.
والجواب: إن الموقف يجب أن يكون حازمًا، وحكيمًا ومخلصًا في دعوتِهم إلى الحق والفضيلة والأخذ على أيديهم على سبيل الاستمرار بدون يأس ولا تسويف طالبين لجميع الخلق الهداية من الله الذي يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته.
فإن حال بيننا وبينهم حائل لا سبيل إلى التغلب عليه، وقالوا لنا بلسان الحال أو المقال: هذه نصائحكم ردت إليكم، التمسنا التسلية لنفوسنا من قوله -تبارك وتعالى-: {قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُم فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ -108, وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين} [يونس:108، 109].
ومن قوله سبحانه: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا -29, إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً -30, أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29-31].

يتبع ببيان سنة أخرى من سنن الهدى إن شاء الله...
 

النجاة من كرب القيامة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» شر الناس يوم القيامة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حوريات جنان الجزائر  :: القسم الاسلامي :: العقيدة و التوحيد لطلبة العلم والباحثين-
انتقل الى: